عقد العلّامة السيّد علي فضل الله لقاءً حواريًا في المركز الإسلامي الثقافي في حارة حريك، بعنوان «مفهوم الصبر في الإسلام"، ثم أجاب عن عددٍ من الأسئلة والاستفسارات حول آخر المستجدّات في لبنان والمنطقة.
في مستهل اللقاء لفت فضل الله إلى وفرة آيات الصبر في القرآن، حتى إنّ ذكر كلمة «الصبر» يتجاوز التسعين مرة، مشيرًا إلى أنّ الصبر ضرورة للحياة على جميع مستوياتها مضيفا أنَّ الصبر لا يقتصر على كونَه حاجةً للإنسان العادي، بل هو ضرورة أشدّ لرسالات الدعوة ولمن ينادون بالحرية والعدالة والكرامة، لأنَّ طريق الرسالات ودعوات الحرية لم يكن معبَّدًا بالورود.
تابع: "إنّ الصبر في حسابات الله ليس هدفًا يقف عنده الإنسان فحسب، بل هو وسيلةٌ لتجاوز الابتلاءات والصعوبات. فبه يتيح الإنسان وقتًا للتفكير الهادئ واتخاذ القرار الصحيح والموقف الحقّ، ويضعه على الاتجاه السليم".
وقال: "إنّ الإنسان كلّما ارتقى في انسانيته وعظمت أهدافه ازدادت التحدّيات ، لذا يحتاج إلى «سلاح الصبر» أكثر من غيره، إلى جانب سلاح العقل وسلاح الاجتهاد، لكي يواجه ما يصادفه من مصاعب فلا يسقط أمامها بل يصمد محافظًا على دينه ومبادئه. وأضاف: الصبر يمنح الحرية الحقيقية، فلا يملك الآخرون قرارك أو مواقفك، ويُمكّنك من تحقيق طموحاتك".
وأشار إلى التحدّيات الكبيرة التي يواجهها وطننا اليوم، مؤكّدًا أنّ الصبر هو ما يثبتنا على مواقفنا ويمنعنا من التسرع والانفعال أو الخضوع للتخويف والتهويل. بالصبر لا نستعجل النتائج، فقد نحتاج وقتًا ونفَسًا طويلاً لبلوغها.
وشدّد على أنَّ "الصبر ليس ضعفًا أو هزيمة أو قبولًا بالأمر الواقع، كما يظنّ البعض، بل يعني الثبات على الحق والعدل والقيم، والتمسّك بالمبادئ حتى في أصعب الظروف. فالصبر والمثابرة سبيلنا لأن نظل أحرارًا كرامًا رغم الإغراءات والتخويف".
وأضاف: "سنصبر لأننا نثق أنّ الحال مهما كانت سيئة فلن تبقى. سنصبر رغم الجراح المؤلمة، لأننا نتطلع إلى معادلةٍ تتبدّل لصالح الحقّ والكرامة".
وحذّر من "مجتمعٍ لا يصبر ولا يتواصى بالصبر، لأنّه بذلك يصبح خاسرًا في حساب الله، وهشًّا أمام الضغوط التي تستهدف حاجاته ورغباته، فيصير أسيرها. والمجتمع لا يحقّق انتصاراته ولا يتخلّص من هزائمه إلاّ بالصبر والاستقلالية".
واعتبر أنّ "الواقع السياسي في البلد أدمنَ التراشق بالكلمات المستفزة وإطلاق الأحكام والتخوين بدلا من اللجوء إلى الحوار العقلاني الجاد لعرض وجهات النظر"، مؤكّدًا أنّ "الوطن لا يُبنى بعقليةٍ إقصائية او بالتهميش لأي مكون أو بالاستقواء الخارجي، وإنّما بالحوار والتكاتف الداخلي، وإلّا سيسقط الهيكل على رؤوس الجميع".
وبالنسبة إلى الاعتداءات الصهيونية المتكررة، طالب الدولة ب"تحمّل مسؤولياتها تجاه شعبها واستخدام كل الأوراق المتاحة للدفاع عن الوطن"، معبّرًا عن خشيته من مخططاتٍ تهدِف إلى ضرب المنطقة بأسرها، مناشدا الجميع التوحد وعدم التلهّي أو الشعور بالضعف، محذّرًا من أنّ التشرذم سيُسقطنا جميعا...
وختم بدعوةٍ للدول العربية والإسلامية إلى تشكيل جبهة دفاعية موحّدة تحمي مصالحها، وأن تتخلّى كل دولة عن التفكير الضيّق بحساباتها الخاصة، لأنّ الانقسام يجعلها هدفًا أمام العدو ومشاريعه التوسعية، مشيرا إلى إنّ "الموقف الموحد المبني على مصالح الشعوب فقط هو الطريق لوقف مخططات التقسيم وتمزيق الأوطان والأمة".